جلسات ضحايا الانتهاكات : شهادة لضحية من أبناء الحوض المنجمي وأخرى لشقيق نبيل البركاتي

عقدت هيئة الحقيقة والكرامة مساء أمس الجمعة 18 نوفمبر 2016 ، جلسة الاستماع الثانية لشهادات ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بالاستماع لأحد ضحايا الحوض المنجمي (قفصة) قبل فتح ملف مقتل نبيل البركاتي الذي توفي تحت التعذيب بمركز الأمن بمدينة قعفور التابعة لولاية سليانة.

وبخصوص ما جرى في أحداث انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 تمت دعوة النقابي بشير العبيدي للاستماع لشهادته بخصوص ما تعرض له من تعذيب في السجون، فضلا عن دعوة زوجته ليلى خالد لتروي معاناة عائلتيهما وما لقيته من هرسلة واعتداءات طالت كبيرهم وصغيرهم، دون تفرقة بين أي من الجنسين.

فخلال أحداث الانتفاضة، التي وصفها بشير العبيدي ببداية نهاية نظام بن علي، تم إيقاف صاحب الشهادة (بشير العبيدي) وابنه البكر مظفر العبيدي

وهو بصدد اجتياز مناظرة الباكالوريا، وتم تعريضهما لشتى صنوف التعذيب الجسدي في مراكز الايقاف بالرديف وقفصة قبل الحكم عليهما بعقوبات سالبة للحرية، وذلك فضلا عن عناء الزوجة ليلى خالد التي كانت مضطرة لزيارة زوجها وابنها في سجنيهما اللذين يبعدان عن بعضهما مئات الكيلومترات.

العبيدي يروي بلوعة وحرقة كيف أنه في أحد الأيام تم تهديده باغتصاب ابنه أمامه أو باغتصابه هو أمام ابنه وكيف تم نزع ملابسه وتعريته أمام سجناء من مختلف الأعمار.

مأساة العبيدي لم تتوقف بالحكم السالب للحرية بل تجاوزته، وفق تعبيره، إلى تعمد تركه "يتعفن" في السجون، حيث ترك بعد اصابته بمرض السل دون علاج طيلة شهرين كاملين حتى أشرف على الهلاك وخسر 30 كيلوغراما من وزنه ولم يتم نقله إلى مستشفى عبد الرحمان مامي إلا بعد أن قام عدد من الحقوقيين والمحامين بزيارته أثناء وجوده بمستشفى القصرين.

وفي آخر شهادته طالب العبيدي المؤسستين الأمنية والعسكرية بالقيام بمراجعات لما قامتا به من تجاوزات في العهد السابق، مؤكدا استعداده للصفح عن جلاديه شرط القدوم إلى هيئة الحقيقة والكرامة وتقديم شهاداتهم في كل ما اقترفوه من أفعال.

زوجة العبيدي ليلى خالد روت فصلا آخر من فصول معانات زوجات مساجين الرأي وأفراد عائلاتهم، حيث طالت التضييقات، وفق روايتها، ابنتها "هانوف" التي لم تتجاوز ربيع عمرها حينما كان والدها سجينا، مضيفة أن التضييقات طالت كافة أفراد العائلة حتى أن أخاها الذي كان عون سجون تم عزله باعتباره خال مظفر العبيدي.

الناشط السياسي بحزب العمال الشيوعي الشهيد نبيل البركاتي كان الحاضر الغائب خلال جلسة الاستماع الثانية، فقد حضر أخوه النقابي رضا البركاتي ليروي تفاصيل الجريمة التي طالت أخاه بمركز الايقاف بمدينة قعفور بعد توقيفه بتهمة توزيع مناشير. ذكر رضا أن رئيس المركز تولى صحبة أعوانه تسليط شتى أنواع التعذيب على أخيه نبيل طيلة 11 يوما، من تقليع الأظافر والأسنان قبل أن يطلق عليه النار بدم بارد في رأسه ليتم العثور على جثته داخل قناة لتصريف المياه يوم 9 ماي سنة 1987.

ويضيف رضا البركاتي في وصفه لجثة أخيه حينما تم التفطن إليها أنها كانت أشبه بقطعة لحم مفروم وكانت رجله مكسورة ووجهه أشبه بقناع الموت في الحضارة البونيقية (قناع يوضع على الوجه لإخافة الموت).

معاناة العائلة تواصلت أثناء المحاكمة حيث أراد القاضي المكلف بالملف، وفق رواية رضا البركاتي، تغيير تقرير الطبيب الشرعي الذي يثبت الوفاة تحت التعذيب بآخر ملفق، ليخلص إلى أن عون الأمن الذي قتل أخاه لم يكن سوى أداة صغيرة في ماكينة الاستبداد التي ضمت القاضي والمختص في الطب الشرعي وغيرهم، وصدر الحكم في آخر المطاف دون الاستجابة لطلبات المحامين بسجن المتهم الرئيسي ومعاونيه مدة 5 سنوات.

  

كما تعرض رضا البركاتي في شهادته إلى أصناف التنكيل التي طالت كافة أفراد عائلته حتى زمن غير بعيد، وعرض وصية والدته المكلومة التي كانت تقول "وصيتي أنو أي أم ما تذوق الليعة"، أي ألا لا تلتاع أي أم مثلما حصل لها في قضية ابنها.

كما نقل في آخر شهادته رغبة أفراد عائلة الشهيد نبيل البركاتي في تسمية شارع باسمه في مدينة قعفور وبجعل يوم 8 ماي عيدا وطنيا لمناهضة التعذيب بشكل رسمي ومطالبة أهالي المدينة بجعل مركز الأمن بقعفور متحفا لمناهضة التعذيب ومقرا لجمعية الشهيد.